أخبار
الفيلسوف الإيطالي أندريا زوك: الحرب على غزة وصمة عار والإسلام هو الحصن الوحيد لمواجهة العنصرية الثقافية
يعد أندريا زوك (1967)، واحدا من بين أبرز فلاسفة إيطاليا المعاصرين. درس بين إيطاليا، والنمسا واليونان، وبريطانيا، ويعمل حاليا أستاذ فلسفة الأخلاق في جامعة ميلانو. صدر له العديد من المؤلفات، من بينها “الواجب واللذة – مقدمة في نقد فلسفة الأخلاق المعاصرة” (2021)، “الهوية والإحساس بالوجود” (2018)، “روح المال وتصفية العالم” (2006)، و “نقد العقل الليبرالي – فلسفة التاريخ المعاصر” (2022) المترجم حديثا إلى الإنجليزية عن منشورات (Mimesis international, 2023).
التقينا زوك بعد شهور طويلة من العدوان الإسرائيلي على غزة، وهو من وقف ضد الحرب الإسرائيلية على غزة منذ أيامها الأولى، وذلك لمناقشة كتابه الأخير على ضوء اللحظة الفلسطينية والتأمل في تداعيات الفكر الليبرالي على ما تعيشه غزة اليوم:
-
قُلت إن الحرب على غزة هي دليل إفلاس أخلاقي يعيشه الغرب. هل لك أن تشرح لنا أسباب هذا السقوط الأخلاقي؟ وكيف وصل العالم إلى هنا؟
هذه الحرب هي وصمة عار لا يمكن لأي شيء أن يمحوها.
والسقوط الأخلاقي للغرب ليس وليد هذه اللحظة، وإنما له جذور تاريخية عديدة، لكن أعمقها هو ذلك الزعم الثقافي الذي ولد وترعرع خلال الثورة الصناعية وما خلفته من تفوق عسكري خلال القرنين الـ19 والـ20 منح للغرب دورا رياديا في العالم بقيادة الولايات المتحدة الأميركية. وهو ما تُرجم بشكل أو بآخر بأنه دليل على التفوق الأخلاقي للغرب.
المفارقة تكمن في أنه لا وجود لأي تأصيل فلسفي لهذا الزعم في تقاليد الفكر الغربي، بل العكس تماما فالمسيحية مثلا تحذر من القوة ولا تعتبرها ضمانة أخلاقية بل ترى فيها خطرا من شأنه أن يقوض الأخلاق.
هذا الدرس المسيحي للأسف ضاع كليا وبدأنا نرى في العقود الـ3 الأخيرة تحديدا توجها غربيا بقيادة الولايات المتحدة الأميركية لاعتبار سياسة الكيل بمكيالين شكلا طبيعيا من أشكال التقييم يتم اعتماده على نحو منهجي إذا ما اقتضى الأمر أن نحكم بين أي قوة غربية كانت وأي طرف آخر في العالم يقف في وجهها. ما هو محزن أن الأمر يجري على نحو لا شعوري تماما.
نحن أمام عنصرية ثقافية ولا أجد أي مصطلح آخر يمكن أن نصف به هذه الظاهرة. إنها عنصرية ثقافية إذا ما تمت مواجهة الغرب بها شعر بالإهانة لأنها ظاهرة لم يتم تأصيلها على أنها ضرب من ضروب العنصرية والفوقية ولكنها تُدرس على العكس من ذلك ضمن مباحث حقوق الإنسان، مما يجعلنا نعيش هذه العنصرية كأنها أمر طبيعي لا يقبل النقاش. وهذه المسألة بالمناسبة ذات علاقة وطيدة بالفكر الليبرالي والديمقراطية. لكن ربما قد ترغبين في أن نتحدث عن الأمر ضمن محور آخر في هذا اللقاء…
-
طبعا، لكن اسمح لي أن نبقى قليلا هنا ونتوسع أكثر في نقطة “العنصرية الثقافية” وكيفية مواجهتها. ذكرت في مطلع هذه السنة ضمن مؤتمر شاركت به في ميلانو بعنوان “فلسطين وخيانة الغرب لقيمه” أن الإسلام يعتبر اليوم الدرع الوحيد الذي يمكن أن يقف ضد الإمبريالية الثقافية الغربية. كيف ذلك؟
لن أخوض بالطبع في الشق الروحاني أو العقدي للديانة الإسلامية لأنه مبحث لا يدخل في إطار تخصصي، ولكن بالتأكيد الإسلام يشكل اليوم حصنا في وجه الإمبريالية والعنصرية الثقافية. إن حللنا الأمر من الناحية الثقافية نلاحظ أن الرؤية التي يقدمها الإسلام للعالم آخذة في الانتشار على نحو كبير ومطّرد. طبعا هذا لا يشكل بالضرورة دليل صحة من عدمها لأي رؤية لكنه بالتأكيد معطى مثير للاهتمام لأنه مؤشر على الخصوبة.
نحن هنا إزاء ثقافة حيوية تتمتع بسِمة مهمة تتمثل في قدرتها على تجاوز القوميات وعبور الحدود والقارات. صحيح أن الإسلام دين وُلد ضمن جغرافيا معينة ولكن هذه الجغرافيا ليست هي ما يحدد انتماءه. لذا فنحن أمام دين لا ارتباط عرقيا له عكس الكونفوشيوسية مثلا والتي تلعب دورا مماثلا على صعيد التأثير لكنها محدودة في إطارها الصيني. الإسلام من جهة أخرى يبرز دينا مؤثرا وخصبا على نحو لا يمكن تجاهله، فضلا عن أنه يعبّر عن ثقافة تعد في جزء كبير منها “ما قبل ليبرالية” وهذا لا يعني أنها بالضرورة معادية لليبرالية أو لا ليبرالية ولكن ببساطة ما قبل ليبرالية تماما مثلما كانت عليه الديانة المسيحية قبل أن يتم تدجين جزء كبير منها وإدراجها ضمن ديناميكيات سياسية أخرى.
الإسلام، إلى جانب كونه دينا قويا وخصبا كما أسلفت، فهو يُظهر معارضة لروح الهيمنة الغربية (وهي الآن ليبرالية) وهو ما يجعله اليوم محط اختبار بشكل أو بآخر من الخارج. وكل ما أرجوه هنا هو أن يحصل تشابك مثمر بين الطرفين لا يؤدي إلى أي تصادم
الإسلام في المقابل، إلى جانب كونه دينا قويا وخصبا كما أسلفت، فهو يُظهر معارضة لروح الهيمنة الغربية (وهي الآن ليبرالية) وهو ما يجعله اليوم محط اختبار بشكل أو بآخر من الخارج. وكل ما أرجوه هنا هو أن يحصل تشابك مثمر بين الطرفين لا يؤدي إلى أي تصادم. آمل بصدق أن يكون التفاعل سلميا بين الإسلام والغرب لأن أي صدام عنيف من شأنه أن يحدث بين الطرفين، بعيدا عن الثمن الإنساني الذي سيخلفه، سيكون من الناحية الثقافية غاية في السوء لأنه سيخلق تصلبا دوغمائيا على الجهتين.
المصدر : الجزيرة